العيسى: التقيتُ بالتنوع الدّيني والثقافي لشباب عالميٍّ طموح وسعدتُ بالحوار معهم
من مكة المكرمة، قبلة مسلمي المعمورة ورمز وحدتهم، صدرت وثيقة مكة، في 2019/5/30 مستعرضة بنود دستور تاريخي لإرساء قيم التعايش بالبلدان الإسلامية، والسلم والوئام بالمجتمع الإنساني بشكل عام.
دستور عابر للأديان والثقافات والأعراق والمذاهب، يقدم روشتة السلام في أسمى معانيه، ووصفة اعتدال تضم توليفة التعايش ونبذ التطرف، ومد جسور التواصل بين البشر بغض النظر عن أي اعتبارات أخرى.
29 بندا أقرها نحو 1200 شخصية إسلامية من 139 بلدا يمثلون27 مكونا إسلاميا من مختلف المذاهب والطوائف، في إطار مؤتمر “الوسطية والاعتدال” والذي انعقد من 3 سنوات بمكة المكرمة بتنظيم من رابطة العالم الإسلامي.
التنوع لا يبرر العنصرية
في منطقة مثقلة بالتهديدات، جاءت “وثيقة مكة” لتؤكد على أن المسلمين باعتبارهم جزءا مهما من التشكيلات الدينية، يؤمنون بأن التنوع لا يبرر التطرف والعنصرية، وإنما يمدون جسور الوئام الإنساني والمحبة والتسامح.
كما شددت الوثيقة على ضرورة استثمار التنوع الديني والثقافي بالمجتمعات في إقامة شراكة حضارية تخلق تواصلا فاعلا، قادرا على تكريس مبادئ التعاون والتضامن، وتحقيق النمو والتقدم بما يخدم المجتمعات ويحسن عيش الأفراد فيها.
وفي الوثيقة نفسها، رفض المجتمعون وقتها الربط بين الدين والممارسات السياسية الخاطئة، معتبرين أن الجمع بين الاثنين يشوه الدين الحنيف في عقول المتقبل حتى من غير المنتسبين لهذا الدين، وهذا ما يفاقم معاداة الإسلام ومظاهر العنصرية بشتى أنواعها.
ولم تغفل الوثيقة -كأي دستور وضعي- الإشارة إلى الأسس والمبادئ التي تقوم عليها، وفي مقدمتها المساواة بين البشر على اختلاف مكوناتهم، والتعامل معهم من منطلق مفهوم الإنسانية والمواطنة الشاملة الذي لا يعترف بدين أو عرق، رافضين العبارات والشعارات العنصرية، والتنديد بدعاوى الاستعلاء البغيضة.
الشباب والمرأة
وفي ظل الدور المحوري، الذي يلعبه الشباب في المجتمعات، وباعتباره حامل مشعل التنمية فيها، دعت الوثيقة إلى تعزيز هوية الشباب المسلم بركائزها الخمس: الدين والوطن والثقافة والتاريخ واللغة.
خماسية كفيلة بتحصين الشباب من جميع الآفات التي تتقاذفه، من ذلك التطرف والتجنيد في صفوف المليشيات المسلحة، علاوة على كونها أساسا لبناء شخصية متوازنة قادرة على تقديم قيمة مضافة للمجتمعات.
الوثيقة حذرت أيضا من محاولات إقصاء الشباب، داعية إلى حمايته وتحصينه من أفكار الصدام الحضاري والتطرف الفكري، عبر تعزيز تواصله مع الآخر بوعي يعتمد أفق الإسلام الواسع، بما يوضح رؤيته للمفاهيم الجوهرية، ويمنحه الوعي الكافي لاتخاذ القرارات المصيرية وتبني مقاربة وسطية معتدلة بعيدا عن التطرف والراديكالية بأنواعها.
واستشرافا لحلول من شأنها تفعيل الجزئية الأخيرة، أكدت الوثيقة على أهمية تنظيم منتدى عالمي، بمبادرة إسلامية، يعني بشؤون الشباب، ويعتمد ضمن برامجه التواصل عبر الحوار البنّاء.
المرأة أيضا، باعتبارها نصف المجتمعات، وأحد محركات التنمية فيها، شكلت نقطة توقف المجتمعين بمكة، حيث دعوا إلى تمكينها وعدم تهميش دورها أو امتهان كرامتها، أو إعاقة فرصها في المشاركة في تحقيق القيمة المضافة على جميع المستويات.
دستور استلهم روحه من الأثر البالغ لـ”وثيقة المدينة المنورة”، أول دستور للمواطنة في الإسلام، والتي عقدها النبي محمد قبل 14 قرنا مع اليهود أيام الهجرة النبوية، لحفظ تنوع الدولة الإسلامية وتعايشها باختلاف مكوناتها.
وبصدور “وثيقة مكة” من البلد نفسه، تؤكد جموع المفكرين والفقهاء أرباب النفوذ في العالم الإسلامي، على أن السعودية تظل المرجع الروحي الأزلي للعالم الإسلامي، وقبلة الإسلام والمسلمين على مر العصور، ومنبع وحدتهم وسر تقدمهم ورفاهيتهم.
وفي اليوم العالمي للشباب قال معالي الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي، رئيس هيئة علماء المسلمين، الشيخ الدكتور محمد بن عبدالكريم العيسى: التقيتُ بالتنوع الدّيني والثقافي لشباب عالميٍّ طموح، وسعدتُ بالحوار معهم في موضوعات يتشاركون أفكارها وآمالها، وسرني تطلعهم لمستقبلٍ يسوده المزيدُ من التفاهم والتعاون والإبداع.
ويحتفل العالم باليوم العالمي للشباب في 12 أغسطس من كل عام، لتسليط الضوء على مساهمة الشباب في تنمية المجتمع، كما يهدف الاحتفال أيضا لزيادة الوعي حول المشكلات التي يواجهها الشباب في جميع أنحاء العالم.
ودشنت منظمة الأمم المتحدة اليوم العالمي للشباب منذ 22 عاما بهدف تذكير العالم بدور الشباب والتزام الدول تجاههم لمساهمتهم في النهوض بالمجتمعات ومختلف نواحي الدول.