استنفر تعيين الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي، رئيس هيئة علماء المسلمين، الشيخ محمد العيسى خطيباً ليوم عرفة بالسعودية، آلة الدعاية الإخوانية التي نزلت بثقلها على مواقع التواصل الاجتماعي، للاعتراض والتشويه والإفتاء.
ووفق صحف عربية صادرة خلال الأيام الماضية، فقد جاء اعتراض جماعة الإخوان الإرهابية على العيسى، لكونه يسعى لتكريس الخطاب المعتدل، ويجسد ذلك عملياً في خطوات شجاعة، ومن ذلك زيارته لمعسكر “أوشفيتز” إحدى محارق اليهود في أوروبا التي أسسها النازيون، واستنكاره مع وفد مسلم رفيع لتلك الجريمة.
ضربة قاصمة
وبحسب صحيفة العرب اللندنيةـ فقد تزعمت الحملة ضد الشيخ محمد العيسى رموز دينية محسوبة على جماعة الإخوان الإرهابية، تعاضدها الجيوش الإلكترونية ضمن هاشتاغ #أنزلوا_العيسى_من_المنبر لتتلقف بعدها وسائل الاعلام التي تدور في فلكها تغريداتها وتنشرها مقالات.
ويعتبر معلقون أن تعيين العيسى ضربة قاصمة للإخوان، وبداية تغيير الخطاب الديني الذي لطالما سيطرت عليه روايات الإخوان ومن خرج من عباءاتهم واقتاتوا منه، وفق الصحيفة.
وأضافت الصحيفة أن مقدار السخط الإخواني تجاه السعودية أصبح مقياساً يقاس من خلاله مدى نجاحها في نشر الاعتدال وتقديم خطاب وسطي للعالم.
أبرز صاغة الفكر الإسلامي
صحيفة عكاظ السعودية نقلت عن مراقبين أن الدكتور العيسى يتقدم اليوم الحرب على كل ما يشوِّه صورة الإسلام وحضارته بشجاعة منقطعة النظير، وبتفانٍ وإخلاص من لا يكثرت إلا بالحق الذي يدين الله به، وبالدليل الشرعي القاطع، مهما كان صادماً لقناعات أو عصياً على استيعاب، وليكن بعدها ما يكون.
وذكرت أنه من أبرز صاغة الفكر الإسلامي المعاصر الذي ينطلق من أساسٍ متينٍ من سماحة الدين الإسلامي، وقيمه الإنسانية السامية، وصلاحيته لكل زمان ومكان.
وبات العيسى، وفق عكاظ، عدواً المتطرفين المحسوبين زوراً على الإسلام، ومؤرق جماعات الإسلام السياسي التي تريد الدين سلعة للتربح في ميدان السياسة، لاحَقهم في أشد مواقعهم تحصيناً، وفي أكثر مناطق راحتهم ونفوذهم، كاشفاً زيف أطروحاتهم وأفكارهم وممارساتهم، لدى الداخل الإسلامي مثلما لدى الخارج.
وحظيت جهود العيسى لتعزيز التعايش والسلام والتعريف بسماحة الإسلام بالحكيمة ثاقبة الرؤية، فحاز التكريمات أينما حل في العالم أو ارتحل، وكُرم من عدد من الدول والهيئات والمؤسسات حول العالم، كان آخرها تكريم مملكة ماليزيا بمنحه أعلى ألقابها بدرجة “داتو سري” في حفل سلطاني أقيم بهذه المناسبة، تقديراً لجهوده في تعزيز قيم الوسطية والتعايش والسلام، وفق الصحيفة السعودية.
تكريس الخطاب المعتدل
أما الكاتب في صحيفة الشرق الأوسط اللندنية، مشاري الذايدي، فقد تساءل عن سبب غضب أنصار الإخوان والقاعدة وداعش وغيرهم من هذا الاختيار؟ ولماذا أفرغوا حنقهم بكل لفظ استباحي بل وتكفيري من بعضهم بحق الشيخ العيسى؟
وأجاب الكاتب “الجواب المباشر، هو لأن الرجل يسعى لتكريس الخطاب المعتدل، ويجسد ذلك عملياً في خطوات شجاعة، ومن ذلك زيارته لمعسكر أوشفيتز إحدى محارق اليهود في أوروبا التي أسسها النازيون، واستنكاره مع وفد مسلم رفيع لتلك الجريمة”.
وأضاف “الأهم من ذلك، تقديمه لصورة مختلفة عن الفقيه المسلم والشيخ، خاصة الشيخ الآتي من قلب جزيرة العرب ومهد الإسلام، مختلفة عن الصورة التي يراد لنا ألا نرى غيرها، صورة الشيخ إما الدرويش السلفي الغائب عن العصر، أو المتثقف بثقافة محمد قطب وسيد قطب ومحمد أحمد الراشد وسعيد حوى ومجلة المجتمع وسفر الحوالي وسلمان العودة ويوسف القرضاوي.. إلخ. من صانعي المحتوى الثقافي الممهور باسم الإسلام، وهو علة الإسلام والمسلمين اليوم حقاً”.
وتابع “العيسى، لا تنقصه السيرة العملية الناصعة، ولا التأهيل الفقهي الشرعي الإداري (..) هو، بكل المعايير من جماعة الفقهاء والقضاة والشيوخ والإداريين الأولى، فلا مطعن لهم عليه من هذا الباب، لكنهم، حسب عادتهم، طعنوا في ذمته وإخلاصه ونزاهته.. بغض النظر عن الصدق والكذب”.
انزلوا العيسى من المنبر
وأطلق المعترضون لصعود العيسى خطيباً ليوم عرفة هاشتاغ “أنزلوا العيسى من منبر عرفة”، وهي الدعوات التي ردت عليها منظمة العالم الإسلامي بتغريدة تضمنت مقاطع فيديو لخطب عديدة من عواصم مختلفة للرجل الذي يترأس المنظمة وكتبت “من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب مروراً بالعمق الأفريقي تعزيزاً للسلام والوئام “.
واتهم المنتقدون العيسى بما وصفوه بـ”التسامح الزائد”، معددين الأسباب التي دفعتهم للمطالبة بمنعه من إمامة الحجاج يوم عرفة، مثل “لقائه بحاخامات يهود” حتى في إطار شعبي لا علاقة له بما يسمي بدولة إسرائيل.
العيسى هزم الاخوان يوم عرفة
وصعد رجل الدين السعودي الشيخ محمد العيسى منبر “مسجد نمرة” وألقى في يوم عرفة أهم خطب الإسلام وسط دعوات وصفها بعض السعوديين “بالمتطرفة والإخوانية”، دعت إلى إبعاده عن المسجد الذي يتسابق إليه وجهاء الفقهاء منذ قرون.
وحض العيسى في خطبته جموع المسلمين على نبذ الفرقة والبغضاء، مؤكداً أن روح الإسلام التي جاءت بهم إلى صعيد عرفات جامعة “تشمل الإنسانية جمعاء”.
وقال رئيس رابطة العالم الإسلامي إن “من قيم الإسلام البعد عن كل ما يؤدي إلى التنافر والبغضاء والفرقة وأن يسود تعاملاتنا التواد والتراحم”، لافتاً إلى أن تلك القيم محسوبة في طليعة معاني الاعتصام بحبل الله، وأن “الوحدة والأخوة والتعاون تمثل السياج الآمن في حفظ كيان الأمة وتماسكه، وحسن التعامل مع الآخرين”.
خير الإنسانية
وأكد أن حب الخير للإنسانية مسلك إسلامي، كان بين أسباب انتشاره في الآفاق، فكان “الإسلام روح جامعة، يشمل بخيره الإنسانية جمعاء، ونبيه الكريم صلى الله عليه وسلم وهو القائل “خير الناس أنفعهم للناس”، ومن تلك القيم انتشر نور الإسلام، فبلغ العالمين في أرجاء المعمورة”.
الرد بالترفع
ورد العيسى في خطبته على أولئك من دون أن يسميهم، بأن أفضل السبل في التعامل معه بالترفع عن المهاترات والإعراض عن اللغو، وفقاً للهدى النبوي، مضيفاً أن “منازلة أولئك تسهم في إعلاء ذكرهم، ونجاح مشروعهم، وهو ما يسعدون به، بل إن الكثير منهم يعول عليه، غير أن مخاطر التدليس يتم كشفها، مثلما يتم التصدي للإساءة البينة، وكل ذلك يساق بحكمة الإسلام”.
وأكد العيسى وهو الخطيب التاسع للمنبر خلال العقود الأربعة الماضية أن حسن الخلق في الوصف العام قيمة مشتركة بين الناس كافة، يقدّرها المسلم وغيره، إذ هي سلوك رشيد في القول والعمل، معتبراً أن “المسلم “براسخ قيمه” لا يلتفت لجاهل ولا لمغرض ولا لعائق”.
كما شدد العيسى في خطبته التي ترجمت لأكثر من 14 لغة على دور علماء الدين في التصدي للمفاهيم المغلوطة عن الإسلام، موضحاً أنه “كان لأهل العلم الراسخين أثر مبارك في الاضطلاع بمسؤولية البيان، ومن ذلك التصدي للمفاهيم الخاطئة والمغلوطة عن الإسلام”.
وغرد يحيى مفرح زريقان : قائلا: العالم التنويري المفخرة د/ محمد العيسى كاشف الاخونجية وتجار الدين وشتات الامصار وشذاذ الآفاق.. شكرا للحكومة السعودية.
وغردت مرام عبدالعزيز: تخيل لو قُلب الأمر وأصبح ذلك المنافق ذو الألفاظ البذيئة خطيبًا في يوم عرفة بدلاً عن الشيخ محمد العيسى الداعي للتسامح والتعايش، على ماذا ستنتهي الخطبة أمام مئات الآلاف من الحجيج، والملايين من المستمعين والمشاهدين؟!
فالحمد لله الذي أكرمنا وجعلنا واجهة لدينه وخدّام لبيته وقاصديه.
وغرد سعيد الخالد قائلا: مشكلتهم ليست مع الشيخ محمد العيسى، بالكذب ردوا على أنفسهم بأنفسهم، حفظ الله قادتنا وشعبنا ووطنا
كما تداول ناشطون عبر مواقع التواصل الاجتماعي مقطع فيديو لخطبة يوم عرفة، قارنوا ما ألقاه الفلسطيني كمال الخطيب بما قاله الشيخ محمد العيسى في خطبته من مسجد النمرة وسط تفاعل واسع.
وأكد ناشطون ما قاله الخطيب في مقطع الفيديو المتداول والانتقادات الشديدة التي وجهها إلى العيسى، مقارنة بما قاله أمين عام هيئة علماء المسلمين عن مسجد نمرة.
وحذر العيسى في خطبته يوم الجمعة من الدخول في مجادلات ودعا إلى عدم الخلاف مع الجهلاء، لأن ذلك من شأنه أن يرفع ذاكرتهم، بعد أيام من تعرضه للهجوم والانتقاد لتعيينه خطيبًا يوم عرفة، بسبب صلاته في موقع المحرقة ولقائه بعدد من رجال الدين من الديانات الأخرى.
قال العيسى في خطبة عرفة: “الأخلاق الحميدة في” الوصف العام “قيمة مشتركة بين جميع الناس، ويقدرها المسلم وغيره، لأنها سلوك عقلاني قولًا وفعلًا، وَلِيٌّ حَمِيمٞ )، وفي مواجهة الجهل والسفه يقول سبحانه: (خُذِ ٱلۡعَفۡوَ وَأۡمُرۡ بِٱلۡعُرۡفِ وَأَعۡرِضۡ عَنِ ٱلۡجَٰهِلِينَ)، كما قال سبحانه: (فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ ۖ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ) والمعنى: Watch out that they to a polemic and its consequences . “
من هو العيسى؟
من جهتها، استعرضت صحيفة الوفد المصرية سيرة الشيخ محمد العيسى، مشيرة إلى أنه عضو هيئة كبار العلماء في السعودية، والأمين العام لرابطة العالم الإسلامي، كما أصبح وزيراً للعدل، في 14 فبراير 2009، وفي العام نفسه صدر أمر ملكي بتعيينه مستشاراً بالديوان.
وتبنى العيسى، وفق الصحيفة، مشروع تقنين الأحكام القضائية، وشهد عهده في وزارة العدل إصدار أول رخصة محاماة للمرأة السعودية، كما حصل على العديد من الأوسمة من الجمهوريات المختلفة، وله العديد من الإنجازات والإصلاحات في القضاء السعودي، يشهدها الجميع.
وحصل الشيخ العيسى على دكتوراة في الدراسات القضائية المقارنة، من المعهد العالي للقضاء بجامعة الإمام بمرتبة الشرف الأولى مع التوصية بطبع الرسالة وتداولها.
تخصص العيسى في الشريعة والقانون الدستوري والإداري، وله مؤلفات ومقالات في الشريعة والقانون، والعديد من القضايا الفكرية، ودرّس مادة الشريعة والقانون في الجامعات السعودية.
أشرف وناقش العديد من رسائل الدكتوراة والماجستير، وألقى العديد من المحاضرات في جامعات العالم، ومؤسسات فكرية عالمية، كما أن للعيسى مؤلفات عدة، وبحوث، وأوراق عمل، ومقالات فقهيّة.
وكان الشيخ العيسى الذي جاء تكليفه بخطبة عرفات للمرة الأولى في البلاد بأمر ملكي، واجه هجمة مغرضة من التيارات المتشددة، داعية إلى منعه من صعود المنبر الأعظم، بوصفه بحسب اعتقادهم مارس أدواراً تتناقض مع مهمة ذلك المنبر، وهي “التقارب بين الأديان والمذاهب”.
إلا أن كثيرين بمن فيهم هيئة كبار العلماء في السعودية التي يعتبر العيسى بين أبرز أعضائها دعمت الخطيب، وكشفت عن أهداف جماعة الإخوان المسلمين والمتأثرين بأيديولوجيتها في شيطنة أحد أبرز دعاة الحوار في الآونة الأخيرة.