صعد رجل الدين السعودي الشيخ محمد العيسى منبر “مسجد نمرة” وألقى في يوم عرفة أهم خطب الإسلام وسط دعوات وصفها بعض السعوديين “بالمتطرفة والإخوانية”، دعت إلى إبعاده عن المسجد الذي يتسابق إليه وجهاء الفقهاء منذ قرون.
وحض العيسى في خطبته جموع المسلمين على نبذ الفرقة والبغضاء، مؤكداً أن روح الإسلام التي جاءت بهم إلى صعيد عرفات جامعة “تشمل الإنسانية جمعاء”.
وقال رئيس رابطة العالم الإسلامي إن “من قيم الإسلام البعد عن كل ما يؤدي إلى التنافر والبغضاء والفرقة وأن يسود تعاملاتنا التواد والتراحم”، لافتاً إلى أن تلك القيم محسوبة في طليعة معاني الاعتصام بحبل الله، وأن “الوحدة والأخوة والتعاون تمثل السياج الآمن في حفظ كيان الأمة وتماسكه، وحسن التعامل مع الآخرين”.
خير الإنسانية
وأكد أن حب الخير للإنسانية مسلك إسلامي، كان بين أسباب انتشاره في الآفاق، فكان “الإسلام روح جامعة، يشمل بخيره الإنسانية جمعاء، ونبيه الكريم صلى الله عليه وسلم وهو القائل “خير الناس أنفعهم للناس”، ومن تلك القيم انتشر نور الإسلام، فبلغ العالمين في أرجاء المعمورة”.
وكان الشيخ العيسى الذي جاء تكليفه بخطبة عرفات للمرة الأولى في البلاد بأمر ملكي، واجه هجمة مغرضة من التيارات المتشددة، داعية إلى منعه من صعود المنبر الأعظم، بوصفه بحسب اعتقادهم مارس أدواراً تتناقض مع مهمة ذلك المنبر، وهي “التقارب بين الأديان والمذاهب”.
إلا أن كثيرين بمن فيهم هيئة كبار العلماء في السعودية التي يعتبر العيسى بين أبرز أعضائها دعمت الخطيب، وكشفت عن أهداف جماعة الإخوان المسلمين والمتأثرين بأيديولوجيتها في شيطنة أحد أبرز دعاة الحوار في الآونة الأخيرة.
الرد بالترفع
ورد العيسى في خطبته على أولئك من دون أن يسميهم، بأن أفضل السبل في التعامل معه بالترفع عن المهاترات والإعراض عن اللغو، وفقاً للهدى النبوي، مضيفاً أن “منازلة أولئك تسهم في إعلاء ذكرهم، ونجاح مشروعهم، وهو ما يسعدون به، بل إن الكثير منهم يعول عليه، غير أن مخاطر التدليس يتم كشفها، مثلما يتم التصدي للإساءة البينة، وكل ذلك يساق بحكمة الإسلام”.
وأكد العيسى وهو الخطيب التاسع للمنبر خلال العقود الأربعة الماضية أن حسن الخلق في الوصف العام قيمة مشتركة بين الناس كافة، يقدّرها المسلم وغيره، إذ هي سلوك رشيد في القول والعمل، معتبراً أن “المسلم “براسخ قيمه” لا يلتفت لجاهل ولا لمغرض ولا لعائق”.
كما شدد العيسى في خطبته التي ترجمت لأكثر من 14 لغة على دور علماء الدين في التصدي للمفاهيم المغلوطة عن الإسلام، موضحاً أنه “كان لأهل العلم الراسخين أثر مبارك في الاضطلاع بمسؤولية البيان، ومن ذلك التصدي للمفاهيم الخاطئة والمغلوطة عن الإسلام”.
انزلوا العيسى من المنبر
وأطلق المعترضون لصعود العيسى خطيباً ليوم عرفة هاشتاغ “أنزلوا العيسى من منبر عرفة”، وهي الدعوات التي ردت عليها منظمة العالم الإسلامي بتغريدة تضمنت مقاطع فيديو لخطب عديدة من عواصم مختلفة للرجل الذي يترأس المنظمة وكتبت “من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب مروراً بالعمق الأفريقي تعزيزاً للسلام والوئام “.
واتهم المنتقدون العيسى بما وصفوه بـ”التسامح الزائد”، معددين الأسباب التي دفعتهم للمطالبة بمنعه من إمامة الحجاج يوم عرفة، مثل “لقائه بحاخامات يهود” حتى في إطار شعبي لا علاقة له بما يسمي بدولة إسرائيل.
من هو محمد العيسى؟
والعيسى المولود في يونيو (حزيران) عام 1965، يحمل درجة الدكتوراه في الفقه المقارن، وتدرج في الوظيفة الرسمية في بلاده ما بين أستاذ جامعي ومسؤول في ديوان المظالم ثم وزيراً للعدل، برز بإصلاحات كانت لافتة في عهده قبل أن يصبح في ما بعد مستشاراً في الديوان الملكي وعضواً في هيئة كبار العلماء، ليستقر به المطاف الآن أميناً عاماً لرابطة العالم الإسلامي منذ 2015، ذات النفوذ الكبير بين مسلمي العالم، خصوصاً في البلدان ذات الغالبية غير المسلمة.
وقاد العيسى الملف الديني الخارجي في عهد السعودية الجديد، وروج لسماحة الإسلام في العالم عبر منتديات واتفاقات وحوارات ماراثونية، مثل فيها المسلمين كافة بوصفه أميناً للرابطة ومقرها مكة المكرمة، مما جعله محل احترام شخصيات دينية وسياسية عالمية مثل بابا الفاتيكان وغيره.
وكان بين أبرز جهوده التي وجدت ترحيباً على مستوى العالم أجمع، إنجاز “وثيقة مكة التاريخية” التي وقع عليها 1200 عالم مسلم من مختلف المذاهب، أجمعوا فيها على قيم أساسية في التعايش والمواطنة والحوار بين الإنسانية كلها، لم يسبق لها مثيل في تاريخ المسلمين الحديث، إذ جاءت على خطى “وثيقة المدينة” التي أسس فيها نبي المسلمين لتلك القيم، التي صارت أشبه بدستور يضمن حقوق جميع السكان في ذلك العهد المبكر من تاريخ المسلمين، قبل أن يسود التكفير والإرهاب في العقود المتأخرة.