لم تكن الخطبة المتميزة التي ألقاها معالي الشيخ الدكتور محمد بن عبدالكريم العيسى على منبر مسجد نمرة في يوم عرفة، شيئا استثنائيا أو غريبا بل كانت متوقعة، إذ إن معاليه يتميز بعلم رصين وحصيلة واسعة من الفكر والثقافة، ما دعا كثيرا من الجهات والمؤسسات إلى منح معاليه أوسمة فخرية تجاه نتاجه العلمي وتأثيره على مختلف الأصعدة.
وما جولاته وأنشطته التي يقوم بها منذ أن تسنم مسؤولية رابطة العالم الإسلامي إلا خير شاهد على ذلك وقبلها المناصب التي تولاها والجهات التي تولى مسؤوليتها وأدارها باقتدار، ومنها وزارة العدل التي خطت خطوات كبيرة وقفزت قفزات هائلة كانت حديث الجميع.
خطبة معالي الدكتور محمد العيسى التي ألقاها يوم عرفة كانت شاملة ومتنوعة ولم تغفل القضايا والموضوعات الملحة بأسلوب رصين ومباشر ومختصر بعيدا عن الزخارف اللغوية وبمقدمة شملت التأكيد على الالتزام بتقوى الله وتوحيده بإفراده بالعبادة وعدم صرف أي منها إلى غيره.
شملت هذه الخطبة المتميزة موضوعات مهمة لا يسع المسلم جهلها وتمثل في الوقت نفسه أسسا يجب الاستناد إليها كالامتثال إلى قيم الإسلام التي صاغت سلوك المسلم فهذبته خير تهذيب والاهتمام بحسن الخلق، الأمر الذي يمثل وصفا عاما وقيمة مشتركة بين الناس جميعهم، وهذا يقتضي ألا يلتفت المسلم ذي القيمة الراسخة إلى جاهل أو مغرض والحذر من استدراجه من قبل هؤلاء، إذ إنه غاية مرادهم من تلك المماحكات والجهالات، لكن ذلك لا يعني عدم كشف تدليسهم وزيفهم وأكاذيبهم بحكمة الدين الإسلامي الحنيف.
ومن الرسائل التي وجهها العيسى ضمن خطبته المتميزة ضرورة التآخي والتعاون والحرص على وحدة الصف، إذ تلك القيم السمحة وغيرها من أسباب انتشار نور الإسلام، في حين شدد على دور العلماء الراسخين في العالم الاضطلاع بمسؤوليتهم في بيان الحق والتصدي للمفاهيم المغلوطة عن الدين الإسلامي الحنيف.
كل هذه الرسائل التي وجهها العيسى من خلال هذه الخطبة الرصينة لم تكن من فراغ بل انطلقت من المسيرة الذهبية التي خاضها العيسى في العمل الدعوي والحكومي والأكاديمي واهتمامه البالغ بقضايا الفقه الإسلامي ونظرياته القضائية، ولاسيما تشريعه الجنائي الذي تمثل في أنشطة عديدة كان من أبرزها محاضراته في الموضوعات الشرعية والقانونية والفكرية والحقوقية.
ومما يذكر في هذا الجانب أن معاليه متخصص أكاديميا في الشريعة والقانون الدستوري والإداري وله مؤلفات في الشريعة والقانون وعدد من القضايا الفكرية، كما أشرف وناقش عددا من رسائل الدكتوراه والماجستير، وحاضر في عدد من جامعات العالم والمؤسسات الفكرية العالمية، كما أن له إسهامات ثرية في هيئة كبار العلماء، إذ هو أحد أعضائها، كما لا ينسى التاريخ إصلاحاته في القضاء السعودي وقت توليه وزارة العدل وتبنيه مشروع تقنين الأحكام القضائية وتمكين المرأة في مجال المحاماة بمنح رخصة مزاولة المهنة لأول محامية في المملكة.
وقد توجت هذه الجهود بتقدير عالٍ من مختلف المستويات منها منح الحكومة الماليزية له أعلى أوسمتها وألقابها وهو وسام «فارس الدولة» بلقب «داتو سري» لجهوده في نشر الوسطية حول العالم.. هذا التتويج كله وتلك المسيرة كلها جاءت إلى جانب تواضع جم وحسن خلق وسماحة وطيب نفس عرفتها في معاليه عن كثب، ولا غرابة فهذا العلم الطيب الذي يثمر صلاحا في الخلق وطيبا في النفس وما أحرانا أن نتمثل ذلك في أنفسنا ومن هم حولنا.
مستشار: تركي الداوود
جريدة عكاظ السبت 09 يوليو 2022