أطلق الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي الشيخ الدكتور محمد بن عبدالكريم العيسى، من مقر الأمم المتحدة في جنيف؛ في 19 فبراير 2020 مبادرات “تحصين الشباب ضد أفكار التطرف والعنف وآليات تنفيذها”، في مؤتمر دولي شارك فيه رؤساء حكومات ورؤساء برلمانات، وسفراء أمميون، ونخبة من كبار قادة الأديان والفكر، وعدد من الأكاديميين ذوي الاختصاص بمحاور المؤتمر.
وأكد الدكتور “العيسى” خلال هذا المؤتمر أن هذه المبادرات تستهدف تحصين الشباب ضد أفكار التطرف العنيفة أو المحرضة على العنف، وتبرز من جانب آخر مواصفات الشخصية الدينية والوطنية.
وشدد على مسؤولية مؤسسات التعليم حول العالم تجاه تحصين الشباب، من كل الأفكار المتطرفة أيًّا كان موضوعها؛ دينيًّا كان أو غيره، من خلال إيجاد مناهج دراسية “بأنشطة تفاعلية” تركز على ترسيخ القناعة بحتمية الاختلاف والتنوع والتعدد في عالمنا، الذي في إطاره الإيجابي يمثل إثراءً للبشرية ويعزز من قدراتهم ووحدتهم، إضافة إلى ترسيخ القناعة بأن الصدام الديني والإثني والفكري يمثل مخاطرة تطال الوئام المجتمعي والسلم العالمي؛ مؤكدًا أن “ترسيخ حتمية الاختلاف والتنوع واستيعاب الآخر، مسؤولية التعليم والأسرة ومنصات التأثير”.
ولفت “العيسى” إلى أهمية تنقية الخطاب الموجه للشباب خاصة من كل ما يؤجج الصراع والكراهية، ويثير العداء والعنصرية، مع تقرير مبدأ المساواة العادلة بين البشر، وتفهم واحترام اختلافهم وتنوعهم الطبيعي باعتبار ذلك أرضية مهمة لسلام ووئام الأمم والمجتمعات؛ منوهًا في هذا السياق بأهمية نشر قيمة السماحة والتسامح، ورفض سلبيات الكراهية والعنصرية والتهميش.
ودعا الأمين العام للرابطة، الجهات المسؤولة في كل دولة، إلى إيجاد البرامج الفعالة لتعزيز دور الأسرة في صياغة عقلية الأطفال وصغار الشباب صياغة سليمة، وإيجاد البرامج الفعالة وبناء الشراكات المتعددة لدعم الوئام الديني والثقافي والإثني في دول التنوع، وخاصة التي تعاني من إشكالية أو تهديد في الاندماج، بالتوازي مع سَنّ تشريعات للحد من خطاب الكراهية والعنصرية والتهميش.
وأكد “العيسى” أنه على المؤسسات الدينية والفكرية استشعار مسؤوليتها نحو التصدي لأفكار التطرف والعنف والإرهاب، بالدخول في تفاصيل أيديولوجيتها وتفكيكها بعمق ووضوح؛ مطالبًا في الوقت نفسه منصات التأثير الديني والفكري أن تقدم خطابًا يتجاوز مخاطبة المشاعر والعواطف إلى مخاطبة المنطق والواقع.
وقال: “من المهم كذلك منع تصدير أو استيراد الفتاوى والأفكار الدينية خارج ظرفيتها المكانية، على أساس أن الوعي الديني المستنير مرن، يراعي تغير الفتاوى والمواعظ الدينية، بحسب الزمان والمكان والأحوال؛ فالدين جاء رحمة للعالمين محققًا لمصالحهم التي تستقيم بها أحوالهم؛ مؤكدًا في هذا الصدد أن التطرف مرفوض في جميع الأحوال.
وشدد الشيخ “العيسى” على أن “الوعي يدرك أن القيم بإيجابية انفتاحها وسماحتها ومنطقها الحضاري؛ هي المنتصر الحقيقي في الحوار الموضوعي”؛ مضيفًا “إن فطرة الإنسان سوية نقية، فهو لم يخلق شريرًا، ولا عنصريًّا، ولا كارهًا؛ لكن سلبيات البيئات التعليمية والأسرية والمجتمعية في عالمنا، وسلبيات المساجلات السياسية هي التي تخلق تلك الأجواء المهددة للوئام والسلام، وتصرف الإنسان عن فطرته السوية”.
وحذّر من أن أكثر الجدليات خطورةً، هي المساجلات الخاطئة بين أتباع الأديان، وما تفضي إليه في كثير من الأحيان من ازدراء متبادل بينهم، وهي ممارسة عبثية، لها تاريخ طويل، تتم مواجهتها من قِبَل المصلحين والحكماء بالرفض والاستهجان؛ مؤكدًا في هذا السياق أهمية الحوار الموضوعي والفعال بين أتباع الأديان والثقافات وأهمية أرضية انطلاقة هذا النوع من الحوار وهو احترام الآخر وحقه في الوجود، وجميعنا ندرك أن هذا الازدراء الصادم البعيد عن الحوار الموضوعي كان أحد أهم أسباب الصدام الحضاري وتصعيد التطرف من الجانبين، والخاسر في ذلك الجميع، مع تهديد أمن الدول والمجتمعات من خلال ردود فعل التطرف العنيف.
من جانبه، أكد فضيلة مفتي الديار المصرية الشيخ الأستاذ الدكتور شوقي علام، أن طموحات الإرهابيين توسعت إلى حد تشكيل جيوش منظمة وغزو وسائل التقنية الحديثة، فتحولت من ممارسات فردية عشوائية إلى ظاهرة جماعية منظمة، خلقت حالة من عدم الاستقرار حول العالم.
وشدد “علام” على أن السبيل إلى مواجهة هذه الأفكار الهدامة للبشرية، هو التعاون والتكاتف بين دول العالم ومنظماته، بتشخيص المشكلة وبناء الآليات التي تواجهها، وسَن القوانين الحاسمة والحازمة للقضاء عليها؛ مضيفًا أن “على المؤسسات المعنية -وفي مقدّمها المؤسسات الدينية- مواجهة أفكار التطرف بالمتابعة والتحليل، ورصد تطور هذه الأفكار من جذورها التاريخية”.
من جهته نوّه وزير الأوقاف ورئيس المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية في جمهورية مصر العربية الأستاذ الدكتور محمد مختار جمعة، بأن الإرهاب بات أخطر أمراض عصرنا؛ إذ أصبح إلكترونيًّا وعابرًا للحدود والقارات، وأكثر انتشارًا وأسهل انتقالًا من كل الفيروسات.
وقال جمعة: “يجب علينا جميعا أفرادًا ودولًا ومنظمات أن نعمل سويًّا على أرضية إنسانية خالصة؛ فلا تنمية ولا ازدهار ولا تقدم ولا اقتصاد للعالم بلا أمن، ولا أمن مع الإرهاب، ولا قضاء على الإرهاب دون حماية شبابنا من التطرف”.
وذكر الأمين العام لمنظمة التنسيق بين المجتمعات يوهان جورفينكيل أن “هذا المؤتمر الذي تنظمه رابطة العالم الإسلامي نداء إلى العالم بأكمله للاتحاد في مواجهة أفكار التطرف والعنف، وخطابات الكراهية والخوف من الآخر، وأن نحصن الأطفال والشباب من الوقوع في مطب خطابات الكراهية، التي يتم الترويج لها من خلال المدارس والجامعات والإنترنت وغيرها”.
بدوره، قدّم رئيس المجلس الإسلامي الأعلى في الجزائر “بوعبدالله محمد غلام الله” شكره لرابطة العالم الإسلامي -ممثلة في الشيخ الدكتور محمد العيسى- إذ تبرز بجهودها العالمية القيم الإسلامية الحقيقية التي تتفهم رسالة الإنسان الإنسانية؛ مؤكدًا أن الإسلام بما يمثله من قيم والمسلمين بما يمثلونه من كثافة؛ لا يصح إلا أن يكونوا في شراكة حقيقية مع أتباع الأديان والثقافات لخدمة الإنسانية.
وشددت رئيسة أكاديمية (أريت جنيف) سيبيل روبريشت، على أهمية التعاون لترسيخ ثقافة التنوع واحترام الهوية وتعزيز الاندماج الوطني ووقاية الشباب بإشراكهم في قيادة الرأي وخدمة المجتمع.
وزادت روبريشت: “إن وسائل التواصل الاجتماعي اجتاحت بتأثيرها الشباب بصورة واسعة، فباتت الجماعات الإرهابية تستغلها لبثّ رسائلها، وتجذب إليها الشباب من حول العالم”، مؤكدة أن التطرف العنيف هو خطر يستهدف علاقات المجتمع ويسبب انقسامه ويهدد كل الجماعات الإنسانية”.
واعتبر نيافة عضو المجلس البابوي للحوار بين الأديان في دولة الفاتيكان، المونسنيور خالد عكشة، أن “وثيقة مكة المكرمة”، من ملامح الأمل المعاصر في تعزيز السلام والوئام حول العالم ومواجهة خطاب التطرف والكراهية؛ مؤكدًا أن العنف الأعمى المتستر بالدين يستدعي ضرورة مناقشة بيئات التطرف والعنف بحثًا عن معالجتها والوقاية منها، وخصوصًا وقاية فئة الشباب التي تعد فئة مرغوبة لدى من يريد ترويج أفكار وأيدولوجيات متطرفة أو عنيفة، سياسية كانت أو دينية أو غيرهما.