باهتمام بالغ، تابع الكثيرون “ملتقى المرجعيات العراقية” الذي نظمته “رابطة العالم الإسلامي”، الأربعاء 4 أغسطس الجاري، في مكة المكرمة، وضم عدداً من علماء الدين العراقيين السنة والشيعة.
الملتقى الذي جرى الإعداد له على مدى أشهر، عبر التواصل مع الشخصيات العراقية في أكثر من مدينة ومؤسسة وحوزة علمية، أراد منه منظموه أن يكون نقطة انطلاق لصياغة خطاب إسلامي يؤمن بالتعددية واحترام الآخر، ويتجاوز إرث الصراعات الطائفية التي شهدها العراق والمنطقة.
وحظي المؤتمر باشادات واسعة من الصحف المحلية والعربية وأثني مدونون على وسائل التواصل الاجتماعي على جهود رابطة العالم الإسلامي، وأمينها العام الدكتور محمد بن عبد الكريم العيسى في العمل على حل مشاكل الأمة الإسلامية وبث روح التسامح والتعايش السلمي والاحترام المتبادل والاعتدال والوسطية ونبذ التطرف والغلو.
وتقدم مئات المغردين على منصة تويتر بجزيل الشكر والامتنان لخادم الحرمين الشريفين وولي العهد على جهودهم المتميزة في رعاية المبادرات التي تعزز التعايش السلمي والحوار الحضاري ومواجهة التطرف والعنف في العالمين العربي والإسلامي؛ ومنها العراق، كما قدموا التحية بعظيم الامتنان إلى الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي على هذه المبادرة الكريمة والمقدرة لدى المرجعيات العراقية وعلى كرم الضيافة.
وغرد الدكتور تركي القبلان، قائلا: الشيخ العيسى في ملتقى #مكة_تحتضن_علماء_العراق يؤكد أن الطائفية أمر منبوذ ولا يمت للإسلام بصلة، وأن التفاهم والتكامل أسلوبًا طبيعيا بين السنة والشيعة.
وأثني الإعلامي عيسى الجوكم، على المؤتمر قائلا: إن الشيخ العيسى في خطاب “المرجعيات العراقية” #مكه_تحتضن_علماء_العراق أوضح مدى اهتمام المملكة البالغ وسعيها المشكور في تحقيق السلام والإخاء الإنساني بدءً من الطوائف الداخلية كالسنة والشيعة والتي تمثل شريحة كبيرة من مجتمعنا الإسلامي إلى الطوائف الخارجية التي تعد جزءً من هذا العالم.
وغرد فهد رياض الودعان قائلا: إن ملتقي المرجعيات العراقية في مكة المكرمة حقق التعايش والتفاهم بين مختلف الطوائف، مشيدا باهتمام المملكة العربية السعودية لتحقيق الاخاء الانساني في العالم أجمع.
وأشاد أنس الشمراني، عبر منصة تويتر بدور أمين عام رابطة العالم الاسلامي قائلا: إن ما يقدمه الدكتور محمد بن عبد الكريم العيسي يستحق الشكر لمايبذله من محاولات لتوحيد الشعب العراقي بكافة الاطياف والاعراف ونشر المحبة والأخاء.
كما أثني على الأحمري عبر تغريدة له عبر تويتر على دور المملكة العربية السعودية ورابطة العالم الاسلامي لانها الصراعات والحروب الدينية فى العراق الحبيبة.
مدير “أكاديمية البلاغي”، زيد بحر العلوم، اعتبر أن مشاركته في المؤتمر تأتي “ضمن إطار الجهود الرامية إلى التعريف بدور النجف الأشرف في إشاعة قيم التعايش والتسامح”، مضيفا “هو أيضا في سياق مجموعة من اللقاءات مع ممثلي المذاهب الإسلامية في العراق لبلورة رؤية مشتركة تساهم وتعزز مفاهيم الوسطية والاعتدال وتنبذ الفكر المتطرف”.
بحر العلوم رأى أن الملتقى من المهم أن يشتغل على “بلورة رؤية مشتركة تسهم في تحصين المجتمع العراقي من آفات دعوات التطرف والتكفير”، معتبراً أن “انعقاده في مكة المكرمة يشير إلى رمزية هذا المكان وموقعه في قلوب المسلمين”، كاشفاً أنه “تم الاتفاق على إدامة الحوارات، وإيجاد هيئة تتولى تنسيق المواقف، وتجريم دعوات التكفير والتطرف، واستثمار الإمكانيات المعنوية للمجمع الإسلامي لتحقيق ذلك”.
أهمية الملتقى
ما يجعل “ملتقى المرجعيات العراقية” أكبر من مجرد لقاء بين مجموعة من علماء الدين، عدة عوامل، لعل أهمها:
تبني “رابطة العالم الإسلامي” للملتقى، ورعاية أمينها العام د. محمد العيسى له بشكل مباشر، وحرصه على أن يضم شخصيات لها صدقيتها في المجتمع العراقي، وتمثل شرائح مختلفة. وتنظيم هكذا لقاء ضمن مؤسسة “دولية”، يشير إلى أن “الرابطة” يهمها شأن العراق، ورعاية السلم الأهلي والديني فيه، وإبعاده عن خطر الانزلاق ثانية في صراعات طائفية مسلحة بين السنة والشيعة
هذا الموقف من “رابطة العالم الإسلامي”، ترجمه بوضوح د. محمد العيسى في كلمته، التي جاءت مباشرة في تأكيدها على أنه “ليس بين السنة والشيعة إلا التفاهم الأخوي والتعاون والتكامل”، مع تشديده على “استيعاب الخصوصية المذهبية لكل منهم في دائرة دينهم الواحد”. وهو بذلك يضع حداً لجدل كلامي دام قروناً حول من هو “المسلم”، حاسماً ذلك بأن الجميع سنة وشيعة هم في دائرة المسلمين.
العيسى ذهب إلى أبعد من ذلك، عندما اعتبر أن “الطائفية ليست من هدي الإسلام في شيء”، محذراً من الانزلاق في “متاهات التكفير والصدام والصراع”.
العودة إلى “الكلمة السواء”
انعقاد “ملتقى المرجعيات العراقية” في مكة المكرمة، فيه بعدُ رمزي يشير إلى العودة إلى “الكلمة السواء”، وإلى “القبلة” التي يتجه صوبها المسلمون سنة وشيعة؛ وعليه فإن ترسيخ المشتركات مقدمٌ على التباينات. وبالتالي فإن ما تم نقاشه في مكة سيكون ليس مجرد أحاديث في مؤتمر شكلاني، وإنما “خريطة طريق” يجب العمل على البدء في تطبيق مشاريعها المستقبلية، والمكان هنا يحضر كـ”شاهد” على مدى التزام المشاركين بما تحدثوا به في رحاب “بيت الله الحرام”.
المشاركون القادمون من العراق، قد لا يكونون هم رأس هرم المرجعيات الدينية، إلا أنهم بالتأكيد قيادات دينية وأكاديمية لها تأثيرها واحترامها في بيئات متنوعة سنية وشيعية، عربية وكردية. يضافُ لذلك أن هذه الخطوة تحظى بمباركة جهات عدة، في مقدمها “الحكومة العراقية”، وأيضاً الأوساط العلمية في “النجف”، إضافة لتأييد قطاع واسع من الشارع العام العراقي ومثقفيه وأكاديمييه، لخطوات من شأنها أن تخفف من “الاحتقان الطائفي”، أي أن هنالك حاضنة رسمية ودينية وشعبية مؤيدة للأهداف التي من أجلها عُقد “الملتقى”.
إرادة سعودية لمساعدة الشعب العراقي
احتضان السعودية لـ”الملتقى”، ورعايته من قبل الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي العهد الأمير محمد بن سلمان، يمنح الخطوة غطاء سياسياً، وأن هنالك “إرادة عُليا” من الدولة السعودية تجاه مساعدة الشعب العراقي، وأيضاً جدية واضحة في محاربة الطائفية والكراهية الدينية.
وقوف القيادة السياسية السعودية مساندة لـ “إخراج العراق من أتون الصراع الطائفي”، و”الحفاظ على السلم الأهلي”، رسائل تتجاوز الجمهورية العراقية إلى منطقة الخليج العربي والشرق الأوسط، مفادها أن السعودية كدولة لن تكون إلا منطقة التقاء لـ “العقلاء”، وأنها تعمل على محاربة خطابات التطرف، وهي تريد أن يكون “الاعتدال” هو السائد في العلاقة بين الشعوب على اختلاف ثقافاتها ومعتقداتها.
وكان ملتقى المرجعيات العراقية الذي عقد مؤخرا في مكة المكرمة قد أكد أن الأولية في خطابنا الديني والعالمي تكون بالتأكيد على كلمة التوحيد ووحدة الكلمة، وحفظ هوية الوطن والحرص على بنائه ورفض الإرهاب وإدانة العنف بكل صوره، والاهتمام بفقه السلم ليسهم في بناء مجتمع صالح يقوم على التعايش والسلم المجتمعي وترشيد الفتاوى الدينية بما يحقق مقاصد التشريع في حفظ الضروريات الخمس سواء على مستوى الفرد أو المجتمع، بما يحافظ على المشتركات الإسلامية والإنسانية.