الإسكندرية:
أوصى المؤتمر الدولى «دور الجامعات فى إثراء جسور التفاهم والسلام بين الشرق والغرب» الذى نظمته رابطة الجامعات الإسلامية برعاية الشيخ الدكتور محمد بن عبدالكريم العيسى مع جامعة الإسكندرية وجامعة العلمين الدولية ومكتبة الإسكندرية الأربعاء الماضى بمقر المكتبة بالتأكيد على أن الحوار والتفاهم هو السبيل الوحيد والاختيار الأمثل لاستمرار الحياة على كوكب الأرض، وضرورة الاهتمام والعمل الجاد من أجل نشر ثقافة الحوار والاعتراف بالآخر بحق الإخوة الإنسانية وحق الاختلاف، كما أوصى المؤتمر بالتأكيد على نشر ثقافة السلام والعيش المشترك بين جميع البشر وترسيخ المثل العليا للسلام والعيش المشترك بين مختلف الدول والشعوب، كما دعا المؤتمر إلى توفير الحماية والتحصين الفكرى للشباب والنشء ضد كل محاولات تزييف الوعى وغسل الأدمغة لصالح قوى إقليمية ودولية تسعى للسيطرة على شباب الأمة، وناشد المؤتمر المؤسسات والمنظمات الدولية للقيام بواجباتها فى مساندة أوجه الحق والعدل والمساواة فى إطار مهمتها لخدمة البشرية جمعاء وتحقيق مصالح المجتمع الدولى عامة، وضرورة اضطلاع الجامعات بمسئولياتها لوضع استراتيجية شاملة لمواجهة التطرف والإرهاب وتوسيع دائرة المواجهة لتشمل محاصرة المتطرفين أفراداً وجماعات ودولاً وعدم تمكينهم من نشر أفكارهم الهدامة، ويتعين على الجامعات دعم المشروعات البحثية والمؤلفات العلمية بلغات متعددة والعمل على نشر هذا الإنتاج من خلال مؤسسات علمية ودور النشر العالمية الكبرى.
وقال الدكتور سامى الشريف الأمين العام لرابطة الجامعات الإسلامية خلال الجلسة الافتتاحية للمؤتمر إن المؤتمر جاء انطلاقاً من المبادرة العالمية التى أطلقها الشيخ الدكتور محمد بن عبدالكريم العيسى من منبر الأمم المتحدة بعنوان جسور التفاهم والسلام بين الشرق والغرب والتى حظيت بتأييد ومباركة من قادة الأديان والسياسين والمفكرين من مختلف دول العالم، وسعت رابطة الجامعات الإسلامية إلى تبنيها والتأسيس عليها بعقد العديد من الفعاليات المتنوعة فى العديد من عواصم العالم.
وأشار «الشريف» إلى أن الجامعات الإسلامية تلعب دوراً كبيراً بوصفها واحدة من أهم وأبرز المؤسسات، فهى صانعة رجال المستقبل وبيت الخبرة العلمى والأكاديمى، مؤكداً أن الجامعات فى مختلف أنحاء العالم يناط بها بناء شخصية الطلاب وتدريبهم على ممارسة الحوار وإرساء قيم المحبة والسلام مع الآخر.
وأشار إلى أن رابطة الجامعات الإسلامية تؤكد التعاون مع جميع الجامعات الأعضاء فيها لتطوير برامجها والارتقاء بمستوى خريجيها وزيادة فعاليات أدوارها فى التعاطى مع قضايا المجتمع.
عقد المؤتمر ثلاث جلسات، شهدت العديد من النقاشات المهمة من القامات الفكرية والأكاديمية حول موضوع المؤتمر. من بينهم الدكتور مفيد شهاب والسفيرة نبيلة مكرم والأنبا بافلى الأسقف العام لكنائس المنتزه وشباب الإسكندرية والسيد الشريف نقيب الأشراف والدكتور عبدالعزيز قنصوه، رئيس جامعة الإسكندرية، والدكتور عصام الكردى، رئيس جامعة العلمين الدولية، والقنصل السعودى بالإسكندرية، وسفير لبنان، ود. جاكلين عازر، نائبة محافظ الإسكندرية، وأعضاء مجلسى النواب والشيوخ. وقدم المؤتمر الإعلامى الدكتور جمال الشاعر.
وأعلن د. أحمد زايد، مدير مكتبة الإسكندرية، أن المكتبة بصدد تنظيم منتدى دولى للسلام والتسامح تحت رعاية الرئيس السيسى فى إطار اهتمامها بمد جسور التعاون والتفاهم بين الثقافات والمجتمعات المختلفة حول العالم وتقديم رسالة مهمة حول ضرورة الانفتاح على الإنسانية جمعاء.
وفى كلمته أكد الدكتور محمد بن عبدالكريم العيسى، رئيس رابطة الجامعات الإسلامية، سعى البعض إلى اختطاف حقيقة الإسلام من سماحته وسعة أفقه، غير أن علماء الأمة وغيرهم ممن نطقوا بالحق انتصروا لهذه القضية، وقال «العيسى» إنه لسنوات طويلة دار الحديث عن حوارات بين الشرق والغرب غير أنها لم تتجاوز الكلمات واستمرت السجالات بين الشرق والغرب، وانتقد «العيسى» نظرية «صدام الحضارات» لصموئيل هنتنجتون الذى أكد خلالها أنه لابد من صدام حتمى بين الحضارات، وكأن الله عز وجل خلقنا مختلفين متنوعين لنتصارع ونتصادم حسب هذه النظرية، فأنشأت الأمم المتحدة مؤخراً منظمة تحالف الحضارات لتترجم بالخطوة العملية بناء الجسور، فهناك مشتركات إنسانية يتعايش بها الجميع، مشيراً إلى أن لهذه المشتركات تأسيساً لدينا فى نصوصنا الإسلامية، متحدثاً عن وثيقة المدينة التى وثقها النبى (صلى الله عليه وسلم) وهى أول وثيقة إنسانية ترسخ قيم الإخاء الإنسانى والتعايش المجتمعى. ودعا «العيسى» المؤسسات الأكاديمية إلى أن تضطلع بدورها فى تعزيز الوعى من خلال المناهج الدراسية.
وقال الدكتور أسامة الأزهرى، مستشار رئيس الجمهورية للشئون الدينية، خلال كلمته: إن الأزهر قدم نموذجاً عملياً للتواصل والتقارب بين الشرق والغرب واختراق الحواجز وبناء الجسور والتعارف بين الحضارات وهو الإمام الشيخ حسن العطار شيخ الأزهر الأسبق الذى شهد دخول الحملة الفرنسية لمصر ورأى ما سببته من أهوال فى القاهرة واقتحام الفرنسيين للجامع الأزهر، ورأى صدام الحضارات فى أعنف صوره، ورغم ذلك كان عبقرياً، وقدم رؤية «تعارف الحضارات» فرغم ما أحدثته الحملة الفرنسية كان يتردد على معامل الفرنسيين ورأى الأجهزة والمختبرات، واستطاع أن يحدد الفارق بيننا وبين الغرب، وكان أنموذجاً مدهشاً لروابط الجسور والتفاهم والسلام بين الشرق والغرب لكل الجامعات والثقافات.
وأوضح أنه بعد خروج الحملة الفرنسية خرج فى سياحة إلى العالم، فنزل إلى القدس الشريف وارتبط بكبار العائلات المقدسية ثم الأردن، ثم دمشق، ثم الأناضول، وألمانيا، وألف كتباً وحاور العلماء وأمضى فى سياحته حول العالم 10 سنوات جعلته يرى الحضارات والشعوب وأنماط المعيشة، ولما رجع لمصر عين شيخاً للأزهر 1831م.
وأضاف أنه لما استوى على كرسى المشيخة بدأ يقدم للعالم رؤيته بين الشرق والغرب، وأرسل رفاعة الطهطاوى إلى فرنسا الذى وقف يسجل كل ما يراه بوصية من شيخه حسن العطار، حتى أنتج كتابه (تخليص الإبريز فى تلخيص باريز)، وفتح نافذة على العالم وبنى الجسور بين الحضارات.
وأشار إلى أن الإمام العطار لم يكتفِ بصناعة الطهطاوى لكنه قدم نموذجاً آخر، وأحضر تلميذه محمد عياد طنطاوى، وطلب منه تعلم الروسية، وأتقنها ثم خرج مسافراً إلى روسيا فى رحلة امتدت 70 يوماً حتى وصل إلى سان بطرسبرج، وأقام فيها أستاذاً ومدرساً للعلوم، وتتلمذ له كبار المستشرقين الروس.
كما ألًف «عياد» كتاباً يصف فيه المجتمع الروسى والثقافة الروسية وسماه: (تحفة الأذكياء بأخبار بلاد روسيا) وعاش 20 عاماً حتى توفى ودفن هناك، ويقوم السفير الروسى بالتوجه إلى قرية الشيخ عياد طنطاوى كل عام لإحياء ذكراه وأنشأ له تمثالاً هناك.
واختتم حديثه بأن هذه النماذج التى قدمها الأزهر الشريف لبيان عبقرية العقول واختراق الحواجز وبناء الجسور وصناعة المعرفة والتعارف بين الحضارات، هى ما نواجه به دعوات تصادم الحضارت التى أثارها «صامويل هنتنجتون».