يرد مصطلح الإسلاموفوبيا كثيرًا في هذه السنوات ولعل البعض لا يعرف معناه ولا من أين أتى؟ وقد بدأ تداول هذا المصطلح كما تذكر مراجع وسائل الإعلام ومصادر المعلومات عقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر لعام ٢٠٠١، والتي أحدثت تأثيرًا عالميًا منسوبًا لمجموعة من المنتسبين للإسلام؛ فتعمم التأثير وانسحب على كافة المسلمين والدين الإسلامي بكل أسف، والمصطلح مكون من جملة مركبة من جزئين الأول: الإسلام والثاني: الفوبيا Phobia وتعني الخوف والتخويف غير العقلاني، وبالتالي فإن المصطلح يعني التخويف من الإسلام، والذي تم ربطه من قبل المتبنين له بالعنف والتطرف والإرهاب الصادر من الفئة القليلة المنتسبة للإسلام، وفي حقيقة الأمور فإن الإسلام منها بريء؛ فهو دين السلام والسلم والحق والوسطية والتسامح والخير نصًّا من الكتاب والسنة، وفعلًا من ممارسة الأغلبية من المسلمين على مر التاريخ ممثلة في نموذج الرسول صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى عليه أفضل الصلاة والتسليم والتابعين؛ أي نعم تم ممارسات وأفعال متطرفة وإرهابية من بعض ممن ينتمون للإسلام كما تم ويتم ممن ينتمون لديانات ومعتقدات أخرى غير الإسلام، ولكن الحملة الظالمة التي يستغلها الجهلة بحقيقة الدين الإسلامي أو الحاقدون عليه، أخذت بُعدًا لا يليق بصاحب عقل أو لديه حد أدنى من الإنصاف والعدل، وقد تمثلت التعبيرات عن تبني هذا المصطلح من قبل أولئك في حالات الاعتداء على أماكن العبادة للمسلمين من قبل المتطرفين من المنتمين لديانات أخرى أو لا ديانات لهم واعتداءات حتى على المسلمين الأبرياء وأرواحهم في دور العبادة كما حدث في المسجد في نيوزيلندا على المصلين وحتى الاعتداءات على كتب ومراجع المسلمين الصحيحة لمجرد أنها تنتمي للإسلام أو المسلمين، وبكل أسف فقد استغل أصحاب الآلة الإعلامية القوية المؤثرة تلويث سمعة الإسلام حتى بين بعض أتباعه من الجهلة بحقيقة الدين أو الحاقدين عليه، وأصبح هذا المصطلح دارجًا على مستوى واسع وعلى وجه الخصوص في العالم الغربي، وبعض دول الشرق مثل الهند. إلا أنه وللإنصاف يجب الاعتراف بحقيقة هامة في هذا المقام أن هناك نسبة كبيرة أيضًا ممن ينتمون للديانات غير الإسلامية وحتى اللا ديانات ينبذون فكرة التعميم على المسلمين والإسلام في أفعال المتطرفين منهم، ويعترفون بحقيقة تعاليم الدين الإسلامي الخالدة من وسطية وتسامح وتعاون وحب بل ويدافعون عن قيم الدين الإسلامي وشعائره والمنتمين إليه أما موقفنا من هذا التوجه المعادي والمعمم على الإسلام والمسلمين؛ فسوف أعرضه في نموذج قدمته وتُقدمه رابطة العالم الإسلامي في مقال تالٍ.
في المقال السابق استعرضت تعريف المصطلح المتداول “الإسلاموفوبيا”، والذي نشأ في أعقاب أحداث الحادي عشر من سبتمبر لعام ٢٠٠١ كردة فعل استمر تداولها وترجمتها في أفعال وممارسات ضد الإسلام والمسلمين بدون تمييز أو منطق أو عدل بالعزو لأفعال الفئة المتطرفة وإلى الأغلبية المسالمة الوسطية من المسلمين، وتلك الممارسات البغيضة المتطرفة المعممة ضد الإسلام والمسلمين هي أيضًا من قبل فئة متطرفة حاقدة أو جاهلة كما أسلفت بالإسلام والمسلمين. ولعل الأفعال والأعمال المتطرفة من قبل الفئة الشاذة المنحرفة عن الصراط المستقيم المنتسبة للإسلام قد أعطت الفرصة للحاقدين على الإسلام والمسلمين؛ لتشويه وتخويف الناس من الإسلام والمسلمين، وقد تمثّلت ذلك في الاعتداء على ممتلكات المسلمين وأعراضهم وحياتهم في أنحاء كثيرة من العالم بل وتجاوزت ذلك إلى دستور المسلمين وهو القرآن الكريم في حرقه وتمزيقه. وكذلك كُتب السنة المطهرة وما تبعها من الدعايات السيئة والتشويه المتعمد عن الإسلام، وهي حقيقتها أعمال وتصرفات متطرفة وإرهابية، ولكن ومن توفيق الله ونصره سبحانه وتعالي الذي تكفل بإتمام نوره ولو كره الكافرون (التوبة)، ولا يجوز أن نغادر هذه الحقيقة دون إعطاء حق الإنصاف والعدل لأولئك المنصفين المعتدلين من أصحاب الديانات الأخرى مسيحية كانت أو يهودية أو لا دينية، وهم في نظري الأغلبية التي تقر وتعترف بحقيقة وسطية الإسلام وعالميته ونزاهته عن كل فكر أو فعل. فتأكيدًا لذلك وبجهود حثيثة ومنطقية من قبل رابطة العالم الإسلامي ومنظمة التعاون الإسلامي وغيرها من الجهات؛ فقد صدر أخيرًا قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة باعتبار يوم 15 من مارس من كل عام يومًا عالميًا للقضاء على “الإسلاموفوبيا”، وهذا لا شك قرار يُعتبر انتصارًا للحق واعترافًا دوليًا بقيمة الإسلام الذي هو دين الحق والسلم والوسطية للعالم أجمع.
ولا يعني ما سبق أننا نحن المنتسبين للدين العظيم الذي أكرمنا الله به أن نقف موقفًا سلبيًا أفرادًا ومؤسسات بل علينا واجب الدفاع عن الحملة الظالمة التعميمية على الإسلام والمسلمين بالحكمة والموعظة الحسنة، والدفاع الفردي يتمثل في اتباع تعاليم الدين الصحيحة في التزام المنهج الوسطي السِلمي في القول والفعل، وكل شؤون حياتنا حتى تنجلي القتامة والصورة السلبية عنَّا كمسلمين. وهذا يسهم في تغيير الصورة السلبية لمن يجهل الدين الإسلامي وممارسات أتباعه، وأما المؤسسات والمنظمات الشعبية؛ فلها دور عظيم في إيضاح الصورة الحقيقية عن الإسلام، ورفع الظلم الممارس علينا وأيضًا بث الطمأنينة والمحبة وصدق الإيمان بالإسلام والانتماء إليه بدلًا من التخويف منه، وهنا وجب التقديم لنموذج من أهم النماذج الإسلامية التي تقوم بدور في إجلاء الصورة الحقيقية عن الإسلام، وهي رابطة العالم الإسلامي وما تقوم به من أدوار ورسالة عظيمة لهذا الهدف، ومن أكثر الأعمال والنشاطات في ذلك أولًا اللقاءات والحوارات والندوات المستمرة مع أتباع الديانات المختلفة أو المعادية للإسلام، وتوضيح حقيقة الدين الإسلامي الذي هو دين الوسطية والتسامح والإنسانية قولًا وفعلًا مع استفار الشواهد على ذلك من القرآن والسنة، أما مع رموز هذه الديانات أو الأفراد المؤثرين منها، وقد بدأت هذه النشاطات المكثفة الهادفة المقننة تؤتي أكلها، وقد أوردت فيما سبق قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة تجاه محاربة “الإسلاموفوبيا” وهو قرار لا شك جاء نتيجة لجهود كبيرة ومكثفة من جهات كثيرة على رأسها رابطة العالم الإسلامي لتوضيح حقيقة الإسلام الصافي الذي يجب أن يقر احترامه وقيمه الراسخة بمنافعها العالمية الإنسانية؛ فشاهدنا ونُشاهد الكثير من أصحاب الديانات الأخرى يتعاملون بحب وتقدير واحترام للدين الإسلامي والمسلمين بل إن العديد منهم أعلن إسلامه يقينًا وإيمانًا، وهذه البرامج العظيمة التي تقوم بها الرابطة ليست هي ما تقوم به الرابطة ولا تعتبرها كافية؛ لتحقيق الواجب بل هي تقوم بتقديم النماذج الصافية النقية من أتباع الإسلام بل وتعدت ذلك إلى محاولات إصلاح البيت من الداخل وردم الفجوة والاختلافات والصراعات بين أصحاب المذاهب في الدين الإسلامي، وتوحيد الإيمان والاعتقاد بالمشترك بين أتباع الدين الإسلامي، وقد تمثل ذلك في وثيقة مكة الصادرة عن الرابطة لعام 2019، والتي أجمع عليها بناء وأخرجها 1200 عالم ومفكر من كافة أطياف ومذاهب العالم الإسلامي، والتي لا شك حين تفعيلها سوف تترك آثارًا إيجابية عظيمة عن وحدة المسلمين، وتقديم الصورة الناصعة النقية عن الإسلام كما أن الملتقى الأخير الذي عُقد بمكة المكرمة في هذا الشهر الكريم عن مد الجسور بين أصحاب المذاهب الإسلامية الذي يُعتبر نموذجًا إضافيًا يدعم ويُساهم في سد الثغرات والفجوات، وتضييع الفرص التي يحاول أعداء الإسلام أو المتطرفون منهم استغلالها في الإساءة للإسلام والمسلمين؛ فالله در رابطة العالم الإسلامي على هذه الجهود المباركة، وبارك الله في منسوبيها، وعلى رأسهم معالي الدكتور/ محمد العيسى العالم المفكر المخلص، بارك الله فيه وفيما يقوم به.
صحيفة مكة