لطالما حرصت المملكة على تعزيز الحوار البناء بين المذاهب الإسلامية، إيماناً منها بأن الإسلام هو دين التسامح والحوار والائتلاف، يدعو إلى وحدة الكلمة ووحدة الصف، ويلفظ الفرقة والاختلاف، ومن هنا، كانت دعوة المملكة على مر العصور، بتوحيد صف المسلمين وجمع فُرقتهم، ورفع كل سبب يوقِع الشحناء والبغضاء بينهم.
وتأكيداً على هذا الحرص، انطلقت أعمال المؤتمر الدولي «بناء الجسور بين المذاهب الإسلامية» تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، بتنظيم من رابطة العالم الإسلامي، بمشاركة واسعة من ممثلي المذاهب والطوائف الإسلامية، الذين أشادوا بدور المملكة وجهودها في تعزيز المشهد الإسلامي، من خلال التعاون والتآلف بين أصحاب المذاهب الإسلامية، للوصول إلى الوحدة المطلوبة بين الأمة الإسلامية بجميع مذاهبها.
واعتادت المملكة على استضافة مثل هذا المؤتمر بجوار بيت الله الحرام في مكة المكرمة، ولهذا رسالته الواضحة إلى العالم، بأن الوحدة مفهوم إسلامي عظيم، تتمسك به العلاقات الفردية والجماعية والدولية، ومن هنا لم يكن غريباً أن يشهد المؤتمر عزم علماء الإسلام على تعزيز المشتركات الجامعة بينهم، لاستئناف العطاء الحضاري للأمة، من خلال إطلاق «وثيقة بناء الجسور بين المذاهب الإسلامية»، التي ترسم معالم مضيئةً ودَلالاتٍ إرشاديةً مهمَّةً، وتبني جُسورًا من الإِخاءِ والتعاوُنِ بين المذاهب الإسلامية، لخير الأمة في مواجهة التحديات.
وتسلح المؤتمر بالصراحة والصدق، عندما شخّص حال الأمة الإسلامية اليوم، مُقراً بأنها تواجه تداعيات مؤسفة، وتحديات جسام، تدعو القائمين على أمرها، إلى تحقيق أخوّتهم الإسلامية، من نافذة الوعيُّ التام بأدب الاختلاف وحُسن الوصال، مع الحذر والتصدي لمخاطر التصنيف والإقصاء، وسلبيات التجريح والإسقاط، ورفْض مجازفات التضليل والتكفير، وما أفضت إليه من شَتاتٍ وفُرقةٍ وعداواتٍ وفسادٍ كبير.
ولعل ما لفت الأنظار إلى المؤتمر، دعوة كبار العلماء والمفتين من مختلف المذاهب والطوائف الإسلامية، إلى تجاوز مآسي المعترك الطائفي بنزعته المنتحلة على هدي الإسلام، والتشديد على أن الأمة الإسلامية أحوجُ اليوم إلى رصِّ صُفوفهم، وانسجام أمرهم على مشتركاتهم الجامعة التي تلُمُّ شَعَثهم، وتُوَحِّدُ شتاتَهُم، وتؤلِّفُ قلوبَهم، وتَجْمَعُ اختلافَ مذاهبهم وطوائفهم حول أصول الإسلام وكُلياته.
تفاصيل المؤتمر، وتفاصيل الوثيقة، تؤكدان حقيقة مهمة، وهي أن المملكة ستظل الضامن -بعد الله- لتماسك الأمة الإسلامية وترابطها ووحدة صفها، في مواجهة التحديات والمشكلات التي تعانيها اليوم.