حاوره: عبدالعزيز الربيعي (الرباط)
أكد المدير العام لمنظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة «الإيسيسكو» الدكتور سالم محمد المالك لـ«عكاظ»، الدعم الكبير الذي تقدمه السعودية لجهود المنظمة وخططها وبرامجها وأنشطتها.
ونوّه في حواره مع «عكاظ» بالثقة الغالية لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وولي العهد رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان، في دعمه لترشحه لتولي منصب المدير العام للإيسيسكو.
وبيّن أن السعودية و«الإيسيسكو» تجمعهما علاقات متميزة، من خلال الشراكة مع وزارة الثقافة ممثلة باللجنة الوطنية السعودية للتربية والثقافة والعلوم، التي تسهر على التنسيق بين الإيسيسكو والجهات المختصة في المملكة.
وذكر أنه من المقرر أن تنعقد الدورة الـ44 للمجلس التنفيذي للإيسيسكو في مدينة جدة، خلال شهر ديسمبر 2023، من أجل مناقشة البرامج والمشاريع المنفذة خلال العام، والمصادقة على تقاريرها المالية والفنية.
ولفت إلى أن الإيسيسكو أعلنت إطلاق مبادرة «اقرأوه لتفهموه»، كردّ فعل إيجابي لمواجهة الحملات البائسة والمغرضة التي يتعرض لها الدين الإسلامي. وإلى تفاصيل الحوار..
- ما جهود الإيسيسكو للمساهمة في تقديم الصورة الصحيحة للحضارة والثقافة الإسلامية إلى العالم؟
- • أود الإشارة إلى أن منظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة (إيسيسكو)، تأسست لدعم التعاون بين دولها الأعضاء البالغ عددها 54 دولة في أفريقيا وآسيا والمنطقة العربية وأمريكا الجنوبية في مجالات التربية والعلوم والثقافة والاتصال، ومن بين أهداف إنشاء المنظمة نجد إرساء القواعد والأسس التربوية والثقافية لتعزيز هوية العالم الإسلامي وتمكينها دولياً.
وقد شهدت الإيسيسكو خلال الأعوام الأربعة الماضية، تطوراً كبيراً في رؤيتها، ووضعت عدداً من التوجّهات الإستراتيجية بما يتناسب مع متطلبات العصر، إذ اعتمد المجلس التنفيذي للمنظمة في دورته الـ40، تغيير الاسم إلى منظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة (إيسيسكو)، لإفساح المجال أمام المنظمة لخدمة المجتمعات المسلمة في الدول غير الإسلامية، والانفتاح على التعاون مع الدول التي أحرزت نجاحات في مجالات اختصاص الإيسيسكو، والاستفادة من تجاربها.
هذا إضافة إلى أن الإيسيسكو تعمل خلال جميع مشاركاتها في المحافل الدولية من أجل إظهار حقيقة الرسالة السامية للإسلام ومغايرة الصورة النمطية عن ديننا الحنيف. علاقات متميزة ومشاريع مشتركة
- ما أوجه التعاون القائم بين السعودية والإيسيسكو؟
- • أغتنم هذه السانحة وأرفع مجدداً أسمى آيات الشكر والامتنان إلى خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وولي العهد رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان، على الثقة الغالية التي منحاني إياها بترشيحي لتولي منصب المدير العام للإيسيسكو، وعلى الدعم الكبير الذي تقدمه المملكة لجهود المنظمة وخططها وبرامجها وأنشطتها.
فمنظمة الإيسيسكو والسعودية تجمعهما علاقات متميزة من خلال الشراكة مع وزارة الثقافة ممثلة باللجنة الوطنية السعودية للتربية والثقافة والعلوم.
ووقّع وزير الثقافة رئيس اللجنة الوطنية السعودية الأمير بدر بن فرحان، والمدير العام للإيسيسكو في 7 سبتمبر 2022م، بالرياض مذكرة تفاهم للتعاون في المجال الثقافي، كما وقعت الإيسيسكو ومركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية اتفاقية تعاون في تنفيذ مشروع برنامج استلحاق التعليم للفتيات المتسربات من المدرسة في اليمن، وستعقد الإيسيسكو بالشراكة مع وزارة البيئة والمياه والزراعة في المملكة هذا العام مؤتمر وزراء البيئة في العالم الإسلامي، الذي يهدف إلى مناقشة الرهانات البيئية الحالية.
ويوجد تعاون أيضاً بين الإيسيسكو ووزارة الاتصالات وتقنية المعلومات السعودية، ولدينا تعاون وثيق مع وزارة التعليم السعودية، ومع معهد الإدارة العامة، ومؤسسة محمد بن سلمان «مسك»، وكذلك مع عدد من الجامعات بالمملكة، منها جامعة الأميرة نورة.
ومن المقرر أيضاً أن تنعقد الدورة الـ44 للمجلس التنفيذي للإيسيسكو في مدينة جدة، خلال ديسمبر 2023م، من أجل مناقشة البرامج والمشاريع المنفذة خلال العام، والمصادقة على تقاريرها المالية والفنية.
3 ملايين زائر لمتحف السيرة
- احتفلتم ورابطة العالم الإسلامي والرابطة المحمدية للعلماء ببلوغ عدد زوّار المعرض والمتحف الدولي للسيرة النبوية والحضارة الإسلامية لثلاثة ملايين زائر، ماذا يمثل ذلك بالنسبة لكم؟
- • النجاح الكبير لهذا المعرض كان متوقعاً، فهو النسخة المتجولة الأولى من معارض ومتاحف السيرة النبوية والحضارة الإسلامية، التي يقع مقرها الرئيسي في المدينة المنورة، وتحظى باهتمام خاص ورعاية كريمة بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي العهد رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان، وتشرف عليها رابطة العالم الإسلامي.
والمعرض والمتحف يُظهران الجانب الحضاري في سيرة رسولنا الكريم عليه أفضل الصلاة والسلام، وقد تجاوز عدد زواره أكثر من ثلاثة ملايين زائر، منذ افتتاحه في نوفمبر 2022م، ولم يقتصر الزوار على المسلمين فقط، بل زاره أتباع ديانات أخرى وأبدوا دهشتهم مما رأوا، إذ يقدم المعرض رسالة الإسلام ممثلة في العدل والسلام والرحمة والتسامح والتعايش والاعتدال.
مستقبل التعليم وسوق العمل
- التربية والتعليم من مجالات اختصاص الإيسيسكو الأساسية، فما دور المنظمة في المساهمة بتطوير التعليم الأساسي والعالي في دول العالم الإسلامي؟
- • لا يتوقف عمل الإيسيسكو عند المساهمة في تطوير المناهج التعليمية والتخطيط التربوي، لكنه يتسع لدعم جميع عناصر العملية التعليمية، من تدريب وتأهيل المعلمين، إلى تحسين جودة المياه وخدمات الصرف الصحي في المدارس الريفية بعدد من الدول الأعضاء الأكثر احتياجاً، من خلال إطلاق برنامج يهدف إلى تأمين المياه الآمنة وتوفير الصرف الصحي، لتحسين الظروف الصحية والتعليمية للتلاميذ، وقد بدأ البرنامج باستهداف 1.000 مدرسة بمجموعة من الدول، ونطمح إلى مضاعفة العدد خلال السنوات القادمة.
وفي ما يتعلق بالتعليم العالي، فإن الإيسيسكو تؤمن بأهمية مواكبة جامعة القرن الـ21 للمتغيرات، وتلبية احتياجات سوق العمل المتغير، فرؤيتها الإستراتيجية الجديدة قائمة على المشاركة المنتظمة في بناء مجتمعات المعرفة وتكثيف الجهود لنشرها في بلدان العالم الإسلامي، والاعتماد في ذلك على العلوم المفتوحة، والعمل على تكوين الكفاءات الجديدة، والأساتذة في المجال الأكاديمي وفي مجال البحث العلمي.
رأب الفجوات بين «المتقدمة» و«النامية»
- أين تتجلى أهمية الانفتاح على التكنولوجيا الحديثة وعلوم الفضاء لتشكيل واستشراف مستقبل مزدهر للعالم الإسلامي؟
- • تؤمن الإيسيسكو بالحاجة الملحة لرأب الفجوات بين الدول المتقدمة والنامية في مجالات العلوم، عبر تشجيع دول العالم الإسلامي على الاستثمار في التطبيقات الحديثة وتعزيز الصناعات المرتبطة بها.
وقد عقدت الإيسيسكو عدداً من ورش العمل التدريبية على تصميم قمر صناعي تعليمي «كان سات»، في المغرب وبوركينافاسو وتركيا، إضافة إلى برامج المنظمة التي تركز على دعم الابتكار في مجال الحفاظ على البيئة والتثقيف حول مخاطر التغيرات المناخية، وكان أحدثها: إطلاق برنامج لإنتاج 500 ألف شتلة من البذور التي تم جمعها من الأشجار المنتجة للصمغ العربي في جمهورية موريتانيا الإسلامية.
وتسعى الإيسيسكو إلى تأطير الشباب من خلال معسكرات تدريبية على كيفية إنشاء مشاريع مبتكرة، لصقل مواهبهم وتعزيز طموحاتهم، ودعم الاقتصاد الإبداعي في دول العالم الإسلامي، وتعزيز الشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا، وقد وصل عدد الشركات الناشئة التي دعمتها الإيسيسكو إلى 150 شركة، وتهدف المنظمة للوصول إلى 300 شركة في 2025م.
رؤية ثقافية وتنمية مستدامة
- تتبنى الإيسيسكو الحفاظ على التراث في العالم الإسلامي، فما آلياتها للعمل في هذا المجال؟ ولماذا اتخذتم هذا التوجه؟
- • الإيسيسكو لديها إستراتيجية ورؤية ثقافية متكاملة لحفظ وتثمين التراث، ويمكن تلخيص رؤية الإيسيسكو حول الثقافة في سعي المنظمة إلى إدراج هدف ثامن عشر لأهداف التنمية المستدامة، يختص بالثقافة واعتبارها إحدى روافع التنمية المستدامة، كما أنها تمثل هوية الشعوب، ومن لا ماضي له لا مستقبل له.
ومن هنا جاء تركيز الإيسيسكو على المساهمة في حماية وصون تراث دول العالم الإسلامي، من خلال تشكيل لجنة التراث في العالم الإسلامي، التي تبت في طلبات الدول لتسجل المواقع التاريخية والعناصر الثقافية على قوائم الإيسيسكو للتراث المادي وغير المادي، وكذلك إنشاء مركز التراث في العالم الإسلامي، الذي يعمل على توثيق وتسجيل المواقع والأنشطة التراثية، وحماية هذا التراث والتعريف به سواء على مستوى العالم الإسلامي أو على المستوى العالمي، عبر أنظمة احترافية للقيام بهذا التسجيل، والتوثيق وتعريف سبل الصيانة والحماية اللازمة لكل موقع ونشاط تراثي.
نشر الوعي باللغة العربية
- لديكم مركز لتعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها، فكيف تساهم الإيسيسكو في تعزيز مكانة لغة الضاد حول العالم؟
- • العربية هي لغة القرآن، وبالتالي فإن كل مسلم حريص على تعلمها، ومعظم الدول الأعضاء في الإيسيسكو من الناطقين بلغات أخرى، وجميعهم يحرصون على تعلم اللغة العربية، وقد كان للمنظمة في ما سبق برامج لدعم هذا التوجه، لكننا في الرؤية الجديدة ارتأينا تخصيص مركز للغة العربية للناطقين بغيرها في المنظمة، وينبثق عنه مراكز وأقطاب في عدد من الدول حول العالم، وتم إنشاء المركز 2020م، وحقق إنجازات كبيرة مكّنته من الفوز بجائزة مركز الملك سلمان العالمي للغة العربية 2022م، للمؤسسات، في فرع نشر الوعي اللغوي وإبداع مبادرات مجتمعية لغوية.
ولدينا أيضاً منظومة «مشكاة»، التي تهدف إلى التدريب عن بُعد في مجال اللغة العربية للناطقين بغيرها، والربط بين المنظومة في مقر الإيسيسكو والمراكز الخارجية والأقطاب التدريبية الوطنية والمؤسسات التربوية والجامعية في الدول الأعضاء وخارجها.
تعايش بين الأديان والثقاقات
- تعتبر قيم التعايش والسلام أساسية لبناء مجتمعات سليمة منسجمة، كيف تساهم الإيسيسكو في تحقيق هذه الغاية؟
- • تضع الإيسيسكو ترسيخ قيم التعايش والمساهمة في بناء السلام حول العالم في قلب أولوياتها، وتعمل في هذا الإطار على إطلاق وتنفيذ العديد من المبادرات والبرامج والمشاريع العملية الرامية إلى ترسيخ قيم التعايش والتفاهم والوئام بين أتباع الأديان والثقافات المختلفة وتعزيز التماسك المجتمعي، عبر تركيزها على تعبئة وبناء قدرات الشباب والنساء كعوامل رئيسية لنجاح رؤيتها في هذا المجال.
ففي مجال العلوم الإنسانية والاجتماعية، تسعى الإيسيسكو من خلال برنامجها للتدريب على القيادة من أجل السلام والأمن إلى تقاسم الخبرات والتجارب بين الخبراء والقادة الملهمين والقادة الشباب من خلال دورات تكوينية متعددة، بهدف إرساء مقاربة الإيسيسكو 360 درجة للسلام، بالاستناد إلى منهجية متعددة التخصصات في تدريب وتعبئة القادة الشباب.
- حدثنا عن برنامج سفراء السلام؟
- • تعمل الإيسيسكو، إضافة إلى التدريب على تشجيع سفراء السلام المتخرجين من البرنامج على تقديم مشاريع تتطرق إلى السلام من مختلف أبعاده، في تطبيق عملي للتدريب الذي تلقوه خلال البرنامج، وتشجيعهم على أخذ زمام المبادرة في سبيل تعزيز السلام والحفاظ عليه، إذ تحصل المشاريع الأكثر إبداعاً وابتكاراً على جائزة مالية كبيرة، إضافة دعم وتوجيه الخبراء وسفراء السلام لتنفيذ مشاريعهم. وقد تخرج من البرنامج 80 سفيراً شاباً للسلام، ينتمون إلى أكثر من 50 دولة حول العالم، ليصبحوا سفراء الإيسيسكو للسلام داخل مجتمعاتهم، وبناة للتغيير الإيجابي، وتطمح المنظمة إلى تخريج 500 سفير للسلام بحلول 2025م. وقد أطلقت الإيسيسكو أيضاً عدداً من البرامج والأنشطة التي تعتمد الرياضة أداة رئيسية لتحقيق التغيير والتكامل المجتمعي، من أبرزها برنامج تأهيل أطفال الشوارع من خلال كرة القدم، وماراثون الإيسيسكو للتماسك الاجتماعي، كما عقدت المنظمة منتدى «المرأة في الرياضة».
نشر في 04 / ربيع الأول / 1445 هـ الثلاثاء 19 سبتمبر 2023