– مجلس الشؤون العالمية بلوس أنجلوس يستضيف أمين عام الرابطة
ـ التعليم بلا برامج تربوية لا يعالج معضلة الوعي الفكري والسلوكي في عالمنا
ـ استيعاب التنوع الديني والفكري ركيزة مهمة في تقبل الآخر ونجاح الحوار
ـ نتائج الصدام الحضاري فادحة الخطورة وعلى العقلاء تلافيها مبكرًا
ـ العنصرية والكراهية أكبر مهدد لسلام العالم ووئام المجتمعات
استضاف مجلس الشؤون العالمية والمدينة في لوس أنجلوس الأمريكية معالي الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي رئيس هيئة علماء المسلمين الشيخ الدكتور محمد بن عبد الكريم العيسى في ندوة حوارية عبر الاتصال المرئي حضرها أكثرها من ألف شخصية مهتمة بالقضايا الفكرية والسياسية ذات الصلة والعلاقة بين أتباع الأديان والثقافات.
واستهلت رئيسة المجلس كيم ماكليري بلو الندوة بالترحيب بمعالي الشيخ العيسى، مشيدة بالدور العالمي الذي تقوم به رابطة العالم الإسلامي تجاه الحوار والتفاهم والتعاون بين أتباع الأديان والثقافات المختلفة ومواجهة الكراهية والتعصب وتعزيز الاندماج والتعايش داخل المجتمعات المتنوعة.
بعد ذلك رحب مدير الندوة مدير الأعمال الاجتماعية العالمية لمركز سيمون ويزنتال إبراهام كوبر بمعالي الشيخ العيسى مقدراً الجهود التي قام بها عالمياً باسم أهم المنظمات الإسلامية الدولية “رابطة العالم الإسلامي” مستعرضاً الجهود الرائعة في هذا الشأن.
وتحدث الدكتور العيسى موجها الشكر للقائمين على الندوة، ومشيداً بمدينة لوس أنجلوس باعتبارها مكاناً غنياً بالتنوع المعزز لتميزها، كما أشاد بالحضور والتأثير العالمي للمركز.
ولفت معاليه إلى أهمية الحوار بين الشرق والغرب، وأهمية الحوار في الداخل المجتمعي الواحد بين التنوع الوطني منطلقاً من مشتركاته الواحدة سواء كانت مشتركات وطنية أو إنسانية أو مشتركات تتعلق بالقيم الأخلاقية بشكل عام.
وأكد أمين عام الرابطة أن الغموض وانعدام الثقة بين أتباع الحضارات والثقافات يقوّض محاولات الانسجام بينهم، كما أنه يؤدي إلى الانقسام المجتمعي وربما أدى إلى العنف داخل المجتمعات الوطنية ولاسيما ذات التنوع.
الاعتدال ونشر السلام
وشرح معاليه مفهوم الاعتدال وأهميته في نشر السلام والوئام بين الجميع، محذرًا من محاولة المتطرفين من أي دين أو فكر أو أيديولوجية نشر الكراهية وما ينتج عن ذلك من تداعيات.
واستعرض العيسى العلاقات التي أقامتها الرابطة مع مختلف المؤسسات والشخصيات الدينية العالمية، والتي هيّأت لها الذهاب إلى سريلانكا لمداواة جرحى العملية الإرهابية عام 2019، وزيارة معسكر أوشفيتز ببولندا على رأس وفد إسلامي من كبار العلماء المسلمين من مختلف الدول الإسلامية، ومن مختلف مذاهبهم وطوائفهم.
وبين معاليه أن منهج الرابطة في العمل يقوم على استبعاد الخلافات السلبية، وهو ما هيّأ لها على سبيل المثال عقد مؤتمر (وثيقة مكة المكرمة) عام 2019 والذي أقرّه 1200 عالم من 139 دولة يمثلون 27 طائفة إسلامية.
وتطرق أمين عام الرابطة إلى اتفاقية السلام والتضامن والتي وقعها قادة أتباع الأديان الثلاثة في فرنسا بطوائفهم المتعددة والتي دعت إليها رابطة العالم الإسلامي وتم توقيعها في باريس عام 2019؛ مؤكداً احتواء الاتفاقية على برامجَ تنفيذية، ولقاءات ثنائية لتعزيز القيم المشتركة بين أتباع الأديان الثلاثة.
وأشار معاليه إلى أن الرابطة ليست جهة سياسية لكنها تؤمن بحق كل دولة في التمتع بالسيادة على قراراتها، وترفض التدخل في الشؤون الداخلية للدول، موضحاً أن الدول تربطها رابطة أممية هي الأمم المتحدة لها مواثيقها ومعاهداتها وقوانينها الدولية.
وأضاف العيسى أن الرابطة وقّعت اتفاقيات تعاون بيني مع عددٍ من المنظمات الدينية والفكرية بهدف تحقيق الأهداف المشتركة ونشر السلام والتعايش في المجتمعات الإنسانية، والتصدي لدعاة الكراهية والعنصرية.
المرأة والإسلام
وعن المرأة في الإسلام، قال أمين عام الرابطة: إن المرأة المسلمة تمتعت بمكانة منذ بداية الإسلام، وأن أي انتهاك لحقوقها لا يمثل الإسلام وإنما يمثل أصحابه.
وقال معاليه: إن التطرف الديني يقوم على أفكار مغلوطة يهمنا على الدوام العمل على بيان زيفها. مشدداً على أن المواجهة العسكرية مع الإرهاب مع أهميتها البالغة إلا أنها لا تكفي وحدها، وإنما يتعين مواجهته فكرياً لكشف زيف أطروحاته التي يتغذى عليها.
وأكد معاليه مواصلة الرابطة للتعاون مع كافة القادة الدينيين ومراكز الفكر والتواصل الحضاري حول العالم، مشيرًا إلى أن الرابطة تعمل على التواصل مع الشباب بشكل خاص حيث التقت الرابطة بمئات الشباب المؤثرين في العالم الإسلامي وغير الإسلامي.
وأوضح الشيخ العيسى قائلاً: لقد التقينا قبل جائحة كورونا ـ على سبيل المثال ـ بمئات الشباب الإندونيسي ومعهم شباب من دول مجاورة مسلمين وغير مسلمين في لقاء رائع جداً وملهم لبقية الشباب، وهذا فقط أحد النماذج الأخيرة، وجرى خلال اللقاء استعراض عدد من المحاور التي تهم الشباب بشكل كبير، وقد طالبونا بأن تستمر هذه اللقاءات بشكل دوري، ولاحظنا قيام مشاهير هؤلاء الشباب في السوشل ميديا بنقل ما دار من نقاشات وتوصيات.
وأكد العيسى أن الرهان على الشباب مهم للغاية سواء من جهة تأثيرهم، أو من جهة كونهم يمثلون المستقبل القادم لأوطانهم وللإنسانية أجمع.
جائحة كورونا
وتطرق الدكتور العيسى إلى جائحة كورونا (كوفيد-19) مشيرًا إلى أنها “علمتنا الأهمية البالغة للوَحدة عند مواجهة التهديدات التي تعرضنا جميعًا للخطر”.
وقال: إن الأوبئة، مثل الإرهاب، لا تعرف حدودًا دولية ولا تقدم أيَّة حصانه لأي دين أو عرق أو عقيدة، لذلك يعتمد انتصارنا على التعاون بيننا، معًا يداً بيد يجب أن نبني عالمًا أكثر أمانًا وازدهارًا للأجيال القادمة، عالمًا لا يُقتل فيه الأفراد في مسجدهم، أو كنيستهم، أو كَنِيْسهم أو عموم المعابد، عالمًا يحتضن تنوعنا، عالمًا تُقَدَّر به إسهاماتُنا.
وأضاف: إن عالمنا لا يمكن له أن يتجاوز الشر أو الجهل الذي يريد أن يُقسمنا، ويريد أن يجعل من تنوعنا الديني والحضاري أداة للصراع والصدام إلا من خلال الحوار الفعال والاستيعاب الحقيقي للسنة الإلهية العظيمة التي تقضي بحتمية الاختلاف والتنوع بين البشر، كما أن منطق العدالة بكافة معانيها ودلالاتها ركيزة في سعادة البشر.
وأشار أمين عام رابطة العالم الإسلامي إلى أن القرآن الكريم أكد كل هذه المعاني في أكثر من آية صريحة في هذا الأمر، لكن التطرف لا يقف عندها وإذا قرأها حاول أن يحرف معناها، وهو في غالب الأحوال يُفَضِّل ألا يستعرضها.
وقال العيسى: إذا أرادنا تعزيز وجودنا في مجموعة الأخيار والحكماء والمصلحين وصانعي السلام فعلينا أولاً أن نكون صادقين مع أنفسنا ومع الآخرين، مستوعبين حقاً لحكمة تنوعنا، وكيف يجب أن يكون ذلك داعماً لوحدتنا كأسرة إنسانية واحدة، ومن ثَمَّ مُعَزِّزاً لمَحبتنا وتَسَامُحنِا. وهذه القيم الإنسانية المشتركة هي سبيل خلاص عالمنا من شرور الكراهية والعنصرية والتطرف والعنف والإرهاب أياً كانت هويته، كما يجب أن نُعَلِّمَ أطفالنا تلك القيم لتكون سلوكاً تلقائياً في شخصيتهم نابعاً من ضميرهم النقي وعقلهم السوي.
معضلة غياب الوعي
وأوضح معاليه أن غياب الوعي يُمثل معضلة كبيرة حول العالم، مشيراً إلى أن التعليم المجرد عن المعارف والبرامج التربوية الفعالة لا يعزز الوعي الفكري والسلوكي، ومن هنا جاءت أهمية الأسرة والتعليم في تعزيز الوعي الذي تستفيد منه الدُّوَل الوطنية والعلاقات بين الأمم والشعوب بشكل عام.
وأكد على أهمية استيعاب حتمية التنوع الديني والفكري والحضاري بوصفه ركيزة مهمة في تقبل الآخر ونجاح الحوار والتبادل معه، مشيراً إلى أن نتائج الصدام الحضاري فادحة الخطورة، وأن على العقلاء والحكماء تلافيها في وقت مبكر بكافة وسائل التفادي، ومن ذلك تعزيز دور الأسرة والتعليم وكافة مؤسسات المجتمع المدني ذات العلاقة، وفي مقدمتها مؤسسات الاندماج الوطني في دول التنوع والتي لن تعمل بكفاءة إلا من خلال التهيئة والإقناع والاستقطاب لا الفرض أو الازدراء والتهديد.
ونبه أمين عام رابطة العالم الإسلامي إلى أن المعضلة الحقيقية لتلك المؤسسات ليست غالباً في كفاءة تشريعاتها، ولكن في كفاءة أدواتها التنفيذية القادرة على بث الروح الوطنية والإنسانية فيها. لافتًا إلى أن الانقسام مفهوم واسع يطال الصداقة والوئام بين الأمم والشعوب بشكل عام، كما يطال داخل الدول الوطنية بشكل خاص، وأن الإخلاص والتكامل بين المؤسسات الدولية والوطنية يُعتبر الركيزة الأساس في تلافي الانقسام الدولي أو الوطني وعلاجه.
وأكد العيسى أن العنصرية والكراهية وهيمنة المصالح المادية على حساب العدالة والقيم تُعتبر أكبر مهدد لسلام العالم ووئام المجتمعات، وقال: إن هذه الشرور تُمثل المواد الأولية لصناعة كل شر بما في ذلك الانقسام الدولي أو الوطني، ولا بد لذلك كله من تشريعات دولية وتشريعات وطنية تراعي ظرفية كل دولة على أن تكون تلك التشريعات قوية وفعَّالة تعالج أزماتها العامة والتفصيلية مع متابعة تطوراتها باستمرار.
وبعد ذلك فُتح الحوار مع معاليه حيث تناول عدداً من الموضوعات ذات الصلة بمحاور اللقاء.
يُذكر أن مركز سيمون ويزنتال يُعتبر من المراكز الرائدة في المجال الحقوقي والفكري، وسبق له استضافة 250 زعيم دولة، من بينهم ثمانية رؤساء أمريكيين علاوة على قيادات برلمانية وفكرية.